( لماذا هذه المذاهب الأربعة ؟ ) |
[size=12] [size=16]تمهيد : - لقد إختلف أهل السنة إلى مذاهب كثيرة في الفروع والأصول ، كمذهب سفيان بن عيينة بمكة ، ومذهب مالك بن أنس بالمدينة ، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة ، ومذهب الأوزاعي بالشام ، ومذهب الشافعي والليث بن سعد بمصر ، ومذهب إسحاق بن راهويه بنيسابور ، ومذهب أحمد بن حنبل وأبي ثور ببغداد .... وغيرها . ألا إن أكثر تلك المذاهب إنقرض بين الناس ، وظلت آراء أصحابها مدونة في بطون الكتب عند أهل السنة ، وبقيت من تلك المذاهب : الأربعة المعروفة ، وهي مذهب أبي حنيفة النعمان ، ومذهب مالك بن أنس ، ومذهب محمد بن إدريس الشافعي ، ومذهب أحمد بن حنبل. وهذه المذاهب صارت هي المذاهب التي عليها أهل السنة في كافة الأمصار منذ أن حصر التقليد فيها إلى عصرنا الحاضر. وهنا نسأل : هل يجوز التعبد بهذه المذاهب الأربعة ، وهل تبرأ الذمة بإتباع واحد منها أم لا؟ هذا ما سنكشف عنه النقاب في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى. <blockquote dir="ltr"> نشأة المذاهب الأربعة </blockquote> - كان الناس في زمن النبي (ص) يلجأون في معرفة أمور دينهم إليه (ص) وإلى من جعلهم النبي (ص) من قبله كأمراء أو رسل إلى البلاد الأخرى ، وبقي الحال على ذلك إلى أن قبض النبي (ص). - وأما بعد زمانه (ص) فكان الناس يسألون الخلفاء خاصة والصحابة عامة لما تفرقوا في سائر البلدان ، لأنهم كانوا أقرب الناس إلى رسول الله (ص) ، وأعرفهم بأحكام دينه. - ولما جاء عصر التابعين وتابعي التابعين إنقسم العلماء إلى قسمين : أهل الحديث ، وأهل الفتوى ، وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد وغيرها من بلاد الإسلام ، فكان العامة يسألون من يظهر لهم علمه ومعرفته ، دون أن يتمذهبوا بقول واحد بعينه. - ألا إن المهاترات التي وقعت بين أهل الحديث وأهل الفتوى وبالأخص أهل الرأي منهم من جهة ، مضافاً إلى تقريب الخلفاء لبعض العلماء دون البعض الآخر من جهة أخرى ، ولد روح التعصب عند الناس لبعض الفقهاء ، والحرص على الإلتزام بآرائه الفقهية وطرح آراء غيره. - ولما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية ، إستطاع أن يستقطب له تلاميذ صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء ، ولا سيما القاضي أبو يوسف (1)لذي نال الحظوة عند الخلفاء العباسيين ، فتولى منصب القضاء لثلاثة من الخلفاء : المهدي والهادي والرشيد ، فنشر مذهب أبي حنيفة بواسطة القضاة الذين كان يعينهم هو وأصحابه. - ولما بزغ نجم مالك بن أنس أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بما في الموطأ ، وأمر من ينادي في الناس: ألا لا يفتين أحد ومالك بالمدينة ، وحظي مالك بمكانة عظيمة عنده وعند مَن جاء بعده من أبنائه الخلفاء ، كالمهدي والهادي والرشيد ، فسبّب ذلك ظهور أتباع له يروجون مذهبه ، ويظهرون التعصب له. - ثم تألق الشافعي وبرز على علماء عصره ، وساعده على ذلك تتلمذه على مالك في المدينة ، ونزوله ضيفاً لما ذهب إلى مصر عند محمد بن عبد الله بن الحكم الذي كانت له في مصر مكانة ومنزلة علمية ، وكان مقدماً عند أهل مصر ، فقام هذا الأخير بنشر علم الشافعي وبث كتبه ، مضافاً إلى ما لقيه الشافعي في بادئ الأمر من المالكية في مصر من الإقبال والحفاوة ، بسبب كثرة ثنائه على الإمام مالك ، وتسميته بـ (الأستاذ). - ولما وقع الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن ، وضرب وحبس ، مع ما أظهر من الصبر والتجلد ، جعل له المكانة عند الناس ، ولا سيما بعد أن أدناه المتوكل العباسي وأكرمه وعظمه ، وعني به عناية فائقة ، هكذا نشأت هذه المذاهب وإنتشرت دون غيرها. - ثم إن الأغراض السياسية والمآرب الدنيوية كانت وراء دعم الخلفاء لهذه المذاهب ، فإن خلفاء بني العباس أرادوا أن يلفتوا الناس إلى علماء من أهل السنة ، لتكون لهم المكانة السامية عند الناس ، بإعتبارهم أئمة في الدين ، ليصرفوا الأنظار عن أئمة أهل البيت (ع) ، الذين كانت نقطة التوتر بينهم هي الأولوية بالخلافة. - ولهذا كان شعراء بني العباس يثيرون هذه المسألة في مناسبات كثيرة ، يعرِضون فيها بأبناء علي وفاطمة (ع) ، ويحتجون بأن الخلافة ميراث النبي (ص) ، وعلي (ع) إبن عم النبي (ص) ، والعباس عمه ، وإبن العم لا يرِث مع وجود العم. - قال مروان : فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع لي أربع خلع ، وخلع علي المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة الآف دينار ، فنثرت علي (2). قال إبن حزم في كتابه : ( الإحكام في أصول الأحكام ) : وليعلم من قرأ كتابنا أن هذه البدعة العظيمة ـ نعني التقليد ـ إنما حدثت في الناس وإبتدئ بها بعد الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة ، وبعد أزيد من مائة عام وثلاثين عاماًً بعد وفاة رسول الله (ص) وأنه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعداًً على هذه البدعة ، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالماًًً بعينه ، فيتبع أقواله في الفتوا ، فيأخذ بها ولا يخالف شيئاًً منها. ثم إبتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم ، ثم لم تزل تزيد حتى عمت بعد المائتين من الهجرة عموماً طبق الأرض ، إلاّ من عصم الله عز وجل وتمسك بالأمر الأول الذي كان عليه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين بلا خلاف من أحد منهم. نسأل الله تعالى : إن يثبتنا عليه ، وأن لا يعدل بنا عنه ، وأن يتوب على من تورط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين ، وأن يفيء بهم إلى منهاج سلفهم الصالح (3). - وسواء كانت هذه المذاهب سبقت هذا الزمان قليلاًً أو كثيراًً فهي على كل حال لم تكن في زمن النبي (ص) وإنما إستحدثت بعد أكثر من قرن من وفاته (ص). |
[/size][/size]