[size=16]أهمية اللغة العربية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فإن من ألطاف الله تعالى ونعمته ورحمته أن جعل للناس لسانا يتفاهمون به،
فإن الناس يحتاج بعضهم لبعض ولا يمكن أن يقوم أحد منهم بحاجته دون بعض، ولا
يمكن أن يستقل منهم إنسان بقضاء أموره ولا بأداء مهماته إلا إذا وجد من يساعده
على ذلك، ومن هنا احتاجوا إلى التفاهم فيما بينهم والتعارف، فجعل الله لهم وسائل
للتعارف ومن أعظمها الأنساب حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وجعل لهم وسائل للتفاهم وأعظمها اللغات ولهذا ربط الله بين الألوان واللغات وبين
خلق السماوات والأرض في قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} فالبشر لا يمكن أن يتفاهموا إلا
عن طريق وسائل الحس، إلا عن طريق الحواس الخمس، لأن وسائل العلم لدى
الإنسان ثلاثة، هي العقل والروح والحس، فالعقل لا يمكن أن يتفاهم الناس عن طريقه
لأنه من الأمور المعنوية غير الحسية، والأرواح كذلك يمكن بها التعارف لكن لا يمكن
بها التفاهم، ولهذا حصل التعارف بينها في عالم الذر كما صح عن النبي فيما أخرجه
البخاري تعليقا في الصحيح وأخرجه مسلم مسندا أن رسول الله قال: «الأرواح جنود
مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» لكن التفاهم إنما يتم عن طريق
إحدى هذه الحواس، وهذه الحواس مدركاتها هي المسموعات والمبصرات
والملموسات والمشمومات والمذوقات، وقد جعل الله تعالى أصناف الحيوان تتفاهم
عن طريق هذه الوسائل، فمن الحيوانات ما يتفاهم عن طريق إفراز رائحة يحصل بها
التفاهم والتعارف بفطرة الله لها على ذلك، كالنحل وغيره من الحيوانات، ومنها ما
يمكن تفاهمه عن طريق السمع وما يمكن تفاهمه عن طريق البصر بالإشارات
والحركات وما يمكن تفاهمه عن طريق اللمس، لكن الذوق لا يمكن أن يحصل التفاهم
عن طريقه لأن الطعوم محصورة وقد صرح العلماء بأن أنواع الطعوم خمسة هي
الحلاوة والمرارة والمزية والملحية والتفاهة، فهذه خمس هي أصل الطعوم كلها، أما
المرئيات والمشاهدات وكذلك المسموعات فهي كثيرة جدا يمكن التفاهم عن طريقها،
وبهذا تخلص لنا جارحتان للتفاهم فيما بين الإنسان، فالتفاهم بين بني آدم لا يتم إلا
عن طريق السمع أو عن طريق البصر، أما عن طريق السمع فإنهم بالإمكان أن
يسمعوا الكلام، وأما عن طريق البصر فإنهم بالإمكان أن يقرءوا الكتابة أو أن يفهموا
الإشارات، وهاتان الوسيلتان يمكن أن تفيا بمقصود الإنسان، لكن جعل الله بعض بني
آدم عميا وجعل بعضهم صما، فالعميان لا يمكن أن يتفاهموا عن طريق البصر مع
غيرهم، والصم لا يمكن أن يتفاهموا عن طريق السمع مع غيرهم، فبقي التوازن بين
هاتين الحاستين، لكنه جعل الزمن أيضا مقسوما بين ليل ونهار، وقد محا الله آية
الليل وجعل آية النهار مبصرة، وبذلك ازدادت نسبة العميان في البشر بوجود الليل،
فكان إذا التفاهم عن طريق السمع أقوى وأوسع من التفاهم عن طريق البصر، ومن
هنا جعل الله هذه اللغات هي أساس التفاهم بين الناس، وقد علم آدم الأسماء كلها كما
أخبر بذلك في كتابه: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، وهذا التعليم اختلف فيه الناس هل
كان عن طريق الوحي والتوقيف، أو كان عن طريق الإلهام والإلقاء، وكل ذلك ممكن
والله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، لكن اتفق الناس على أن ما يتجدد من دلالات
الألفاظ وما يطرأ من المجازات إنما هو عن طريق الإلهام ويضع الله القبول على
بعض المصطلحات فتشيع بين الناس، ومن هنا فكل جديد يطلق الناس عليه عدة
أسماء باعتبار أذواقهم، ولكنه سيثبت له اسم واحد يضع الله عليه القبول بين غيره
من الأسماء، عندما صنع أول جهاز كمبيوتر في الولايات المتحدة في جامعة
بنسلفانيا سمي في البداية النظامة ثم سمي الرتابة ثم سمي الحاسوب ثم سمي
بالحاسب الآلي ثم سمي بعد ذلك بالعقل الإلكتروني وهذه أسماء كثيرة كلها لبعض
وظائف هذه الآلة المحدثة، لكن بتطور الزمان وبتطور الدلالات لا بد أن يثبت اسم
واحد لهذه الآلة يكون اسما عالميا مشهورا، وكذلك لما طرأت آلة الفاكس للإرسال
الكتابي عن طريق الاتصالات الهاتفية، إما عن طريق الكابلات أو عن طريق الأقمار
الصناعية أو عن طريق الألياف الزجاجية سميت في البداية كذلك بالناقل، ثم سميت
كذلك بالهاتف الكاتب، ثم سميت بعد ذلك بالكاتوب، وغيرها من المصطلحات فبتطور
الزمن سيختار اسم واحد يضع الله عليه القبول وينتشر بين الناس، لا شك أن البشر
متنوعون في الأذواق وفي البيئة وفي أنماط الحياة وبسبب ذلك تنوعت لغاتهم
واختلفت، وقد نص العلماء على أن الله تعالى علم آدم اثنتين وسبعين لغة وهي
أصول لغات العالم، وهذه اللغات تنطلق إلى سلالات، سلالات لغوية أصلها أربع فقط
ومنها تتشعب بقية اللغات كلها حتى تصل إلى العد الموجود اليوم، ففي الهند وحدها 450
لغة، في دولة وحدة في الهند وحدها، وهذه اللغات بعضها يكون مشتقا من بعض
بالتداخل، كحال اللغة الفارسية مع اللغة البشتونية، واللغة الأردية مع الفارسية ومع
العربية، واللغة التركية كذلك مع اللغة العربية في التداخل في كثير من المفردات،
وكذلك فإن بعض اللغات يكون قابلا للتطور بسرعة هائلة، فيتجدد، تتجدد دلالاته
ومصطلحاته ومن ذلك اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية إلى حد ما، فإن ألفاظها
تتناقل وتتجدد ومن هنا فنسبة عشر بالمائة من اللغة الفرنسية هو من الكلمات
المنقولة إما من اللغة الإغريقية أو من اللغة الرومانية أو غيرها من اللغات حتى من
اللغة العربية، لكن هذه اللغات سواء كانت توقيفية أو كانت إلهامية فإن كل ذلك يرجع
إلى الاختيار الرباني والاصطفاء الإلهي والقبول الذي يضعه الله على الكلمات حتى
تتناسب مع الأذواق، فالحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته ووصف الكمال
والنقص أمر عقلي، وبمعنى ترتب الثواب والعقاب عاجلا أو آجلا أمر شرعي، ومن
هنا قد حصل الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يتعلق بالتحسين والتقبيح،
والخلاف ينبغي أن يكون لفظيا لأن الحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته لا
شك أن هذا راجع إلى العقل، أما الحسن والقبح بمعنى ترتب الثواب والعقاب فهذا
شرعي قطعا لا بد فيه من وحي، فالخلاف إذن يمكن أن يرجع إلى خلاف لفظي ولا
تترتب عليه أحكام كثيرة، وإذا كان الأمر كذلك وكان الأمر راجعا إلى أن الله سبحانه
وتعالى يضع القبول على بعض الكلمات فتناسب أذواق أكبر حد من البشر، فإن هذه
اللغة العربية قد اصطفاها الله على غيرها من اللغات، وشرفها على غيرها من اللغات،
وتكلم بها سبحانه وتعالى بهذا القرآن الذي تحدى به الثقلين الإنس والجن أن يأتوا
بسورة من مثله، فأقصر سورة في كتاب الله هي سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات وقد
تحدى الله الثقلين الإنس والجن على مر الدهور منذ أنزلت هذه السورة بمكة أن يأتوا
بسورة من مثلها، قدر ثلاث آيات فقط، وإلى الآن جاء كثير من المحاولات الفاشلة
وباءت كلها بالفشل، بل إن تلك المحاولات إذا سمع العقلاء بعضها ضحكوا واشتد
هزؤهم منه كمحاولات مسيلمة الكذاب فهي غاية في السخافة وعدم الانسجام وذلك
أنه اتجه إلى اتجاه واحد وهو تركيب الألفاظ دون النظر إلى الإعجاز المعنوي
والإعجاز العلمي والإعجاز التشريعي وغيرها من أنواع الإعجاز التي جعلها الله في
القرآن، إذن اختيار هذه اللغة هو اختيار رباني بوحي من عند الله سبحانه وتعالى
واصطفاء منه لا معقب لحكمه، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ولو جاء الناس
فصوتوا وجاءت أغلبيتهم على رفض هذه اللغة فإن ذلك لا يقلل نفوذها ولا يقلل
القبول الذي جعل الله عليها، لأنه اصطفاء من عند الله لا يستطيع الناس رفضه ولا
تجاهله، ومن هنا فإن الغربيين الذين يفخرون بلغاتهم ويزعمونها اللغات العالمية
المسايرة لتطور العالم لا يزال فيهم من مثقفيهم وقادتهم وعلمائهم من يتخصص في
دراسة اللغة العربية ويخصص وقته لها، وفي العصر الماضي اشتهر عدد كبير من
هؤلاء مثل بروكلمان ومثل يوسف شخت وغيرهما من كبار المستشرقين الذين عنوا
باللغة العربية ونشروا كثيرا من مخطوطاتها ودرسوها وحفظوا كثيرا من أشعار
العرب، وصرح كثير منهم بأن هذه اللغة لا تعدلها أية لغة، وأذكر أننا في العام
الماضي قابلنا أحد المشتشرقين الكبار في جامعة في استكتلاند في شمال بريطانيا
فذكر أنه قد خلد شهادته بأن اللغة العربية لا تعدلها لغة ولا تساويها في السمو
والارتقاء، ولا في الذوق ولا في الاتساع، وأنه كتب هذه الشهادة في جامعته وخلدها
قبل ثلاثين سنة، وهذا كلام الأعداء، \"والحق ما شهدت به الأعداء\".
[/size]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فإن من ألطاف الله تعالى ونعمته ورحمته أن جعل للناس لسانا يتفاهمون به،
فإن الناس يحتاج بعضهم لبعض ولا يمكن أن يقوم أحد منهم بحاجته دون بعض، ولا
يمكن أن يستقل منهم إنسان بقضاء أموره ولا بأداء مهماته إلا إذا وجد من يساعده
على ذلك، ومن هنا احتاجوا إلى التفاهم فيما بينهم والتعارف، فجعل الله لهم وسائل
للتعارف ومن أعظمها الأنساب حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وجعل لهم وسائل للتفاهم وأعظمها اللغات ولهذا ربط الله بين الألوان واللغات وبين
خلق السماوات والأرض في قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} فالبشر لا يمكن أن يتفاهموا إلا
عن طريق وسائل الحس، إلا عن طريق الحواس الخمس، لأن وسائل العلم لدى
الإنسان ثلاثة، هي العقل والروح والحس، فالعقل لا يمكن أن يتفاهم الناس عن طريقه
لأنه من الأمور المعنوية غير الحسية، والأرواح كذلك يمكن بها التعارف لكن لا يمكن
بها التفاهم، ولهذا حصل التعارف بينها في عالم الذر كما صح عن النبي فيما أخرجه
البخاري تعليقا في الصحيح وأخرجه مسلم مسندا أن رسول الله قال: «الأرواح جنود
مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» لكن التفاهم إنما يتم عن طريق
إحدى هذه الحواس، وهذه الحواس مدركاتها هي المسموعات والمبصرات
والملموسات والمشمومات والمذوقات، وقد جعل الله تعالى أصناف الحيوان تتفاهم
عن طريق هذه الوسائل، فمن الحيوانات ما يتفاهم عن طريق إفراز رائحة يحصل بها
التفاهم والتعارف بفطرة الله لها على ذلك، كالنحل وغيره من الحيوانات، ومنها ما
يمكن تفاهمه عن طريق السمع وما يمكن تفاهمه عن طريق البصر بالإشارات
والحركات وما يمكن تفاهمه عن طريق اللمس، لكن الذوق لا يمكن أن يحصل التفاهم
عن طريقه لأن الطعوم محصورة وقد صرح العلماء بأن أنواع الطعوم خمسة هي
الحلاوة والمرارة والمزية والملحية والتفاهة، فهذه خمس هي أصل الطعوم كلها، أما
المرئيات والمشاهدات وكذلك المسموعات فهي كثيرة جدا يمكن التفاهم عن طريقها،
وبهذا تخلص لنا جارحتان للتفاهم فيما بين الإنسان، فالتفاهم بين بني آدم لا يتم إلا
عن طريق السمع أو عن طريق البصر، أما عن طريق السمع فإنهم بالإمكان أن
يسمعوا الكلام، وأما عن طريق البصر فإنهم بالإمكان أن يقرءوا الكتابة أو أن يفهموا
الإشارات، وهاتان الوسيلتان يمكن أن تفيا بمقصود الإنسان، لكن جعل الله بعض بني
آدم عميا وجعل بعضهم صما، فالعميان لا يمكن أن يتفاهموا عن طريق البصر مع
غيرهم، والصم لا يمكن أن يتفاهموا عن طريق السمع مع غيرهم، فبقي التوازن بين
هاتين الحاستين، لكنه جعل الزمن أيضا مقسوما بين ليل ونهار، وقد محا الله آية
الليل وجعل آية النهار مبصرة، وبذلك ازدادت نسبة العميان في البشر بوجود الليل،
فكان إذا التفاهم عن طريق السمع أقوى وأوسع من التفاهم عن طريق البصر، ومن
هنا جعل الله هذه اللغات هي أساس التفاهم بين الناس، وقد علم آدم الأسماء كلها كما
أخبر بذلك في كتابه: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، وهذا التعليم اختلف فيه الناس هل
كان عن طريق الوحي والتوقيف، أو كان عن طريق الإلهام والإلقاء، وكل ذلك ممكن
والله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، لكن اتفق الناس على أن ما يتجدد من دلالات
الألفاظ وما يطرأ من المجازات إنما هو عن طريق الإلهام ويضع الله القبول على
بعض المصطلحات فتشيع بين الناس، ومن هنا فكل جديد يطلق الناس عليه عدة
أسماء باعتبار أذواقهم، ولكنه سيثبت له اسم واحد يضع الله عليه القبول بين غيره
من الأسماء، عندما صنع أول جهاز كمبيوتر في الولايات المتحدة في جامعة
بنسلفانيا سمي في البداية النظامة ثم سمي الرتابة ثم سمي الحاسوب ثم سمي
بالحاسب الآلي ثم سمي بعد ذلك بالعقل الإلكتروني وهذه أسماء كثيرة كلها لبعض
وظائف هذه الآلة المحدثة، لكن بتطور الزمان وبتطور الدلالات لا بد أن يثبت اسم
واحد لهذه الآلة يكون اسما عالميا مشهورا، وكذلك لما طرأت آلة الفاكس للإرسال
الكتابي عن طريق الاتصالات الهاتفية، إما عن طريق الكابلات أو عن طريق الأقمار
الصناعية أو عن طريق الألياف الزجاجية سميت في البداية كذلك بالناقل، ثم سميت
كذلك بالهاتف الكاتب، ثم سميت بعد ذلك بالكاتوب، وغيرها من المصطلحات فبتطور
الزمن سيختار اسم واحد يضع الله عليه القبول وينتشر بين الناس، لا شك أن البشر
متنوعون في الأذواق وفي البيئة وفي أنماط الحياة وبسبب ذلك تنوعت لغاتهم
واختلفت، وقد نص العلماء على أن الله تعالى علم آدم اثنتين وسبعين لغة وهي
أصول لغات العالم، وهذه اللغات تنطلق إلى سلالات، سلالات لغوية أصلها أربع فقط
ومنها تتشعب بقية اللغات كلها حتى تصل إلى العد الموجود اليوم، ففي الهند وحدها 450
لغة، في دولة وحدة في الهند وحدها، وهذه اللغات بعضها يكون مشتقا من بعض
بالتداخل، كحال اللغة الفارسية مع اللغة البشتونية، واللغة الأردية مع الفارسية ومع
العربية، واللغة التركية كذلك مع اللغة العربية في التداخل في كثير من المفردات،
وكذلك فإن بعض اللغات يكون قابلا للتطور بسرعة هائلة، فيتجدد، تتجدد دلالاته
ومصطلحاته ومن ذلك اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية إلى حد ما، فإن ألفاظها
تتناقل وتتجدد ومن هنا فنسبة عشر بالمائة من اللغة الفرنسية هو من الكلمات
المنقولة إما من اللغة الإغريقية أو من اللغة الرومانية أو غيرها من اللغات حتى من
اللغة العربية، لكن هذه اللغات سواء كانت توقيفية أو كانت إلهامية فإن كل ذلك يرجع
إلى الاختيار الرباني والاصطفاء الإلهي والقبول الذي يضعه الله على الكلمات حتى
تتناسب مع الأذواق، فالحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته ووصف الكمال
والنقص أمر عقلي، وبمعنى ترتب الثواب والعقاب عاجلا أو آجلا أمر شرعي، ومن
هنا قد حصل الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يتعلق بالتحسين والتقبيح،
والخلاف ينبغي أن يكون لفظيا لأن الحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته لا
شك أن هذا راجع إلى العقل، أما الحسن والقبح بمعنى ترتب الثواب والعقاب فهذا
شرعي قطعا لا بد فيه من وحي، فالخلاف إذن يمكن أن يرجع إلى خلاف لفظي ولا
تترتب عليه أحكام كثيرة، وإذا كان الأمر كذلك وكان الأمر راجعا إلى أن الله سبحانه
وتعالى يضع القبول على بعض الكلمات فتناسب أذواق أكبر حد من البشر، فإن هذه
اللغة العربية قد اصطفاها الله على غيرها من اللغات، وشرفها على غيرها من اللغات،
وتكلم بها سبحانه وتعالى بهذا القرآن الذي تحدى به الثقلين الإنس والجن أن يأتوا
بسورة من مثله، فأقصر سورة في كتاب الله هي سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات وقد
تحدى الله الثقلين الإنس والجن على مر الدهور منذ أنزلت هذه السورة بمكة أن يأتوا
بسورة من مثلها، قدر ثلاث آيات فقط، وإلى الآن جاء كثير من المحاولات الفاشلة
وباءت كلها بالفشل، بل إن تلك المحاولات إذا سمع العقلاء بعضها ضحكوا واشتد
هزؤهم منه كمحاولات مسيلمة الكذاب فهي غاية في السخافة وعدم الانسجام وذلك
أنه اتجه إلى اتجاه واحد وهو تركيب الألفاظ دون النظر إلى الإعجاز المعنوي
والإعجاز العلمي والإعجاز التشريعي وغيرها من أنواع الإعجاز التي جعلها الله في
القرآن، إذن اختيار هذه اللغة هو اختيار رباني بوحي من عند الله سبحانه وتعالى
واصطفاء منه لا معقب لحكمه، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ولو جاء الناس
فصوتوا وجاءت أغلبيتهم على رفض هذه اللغة فإن ذلك لا يقلل نفوذها ولا يقلل
القبول الذي جعل الله عليها، لأنه اصطفاء من عند الله لا يستطيع الناس رفضه ولا
تجاهله، ومن هنا فإن الغربيين الذين يفخرون بلغاتهم ويزعمونها اللغات العالمية
المسايرة لتطور العالم لا يزال فيهم من مثقفيهم وقادتهم وعلمائهم من يتخصص في
دراسة اللغة العربية ويخصص وقته لها، وفي العصر الماضي اشتهر عدد كبير من
هؤلاء مثل بروكلمان ومثل يوسف شخت وغيرهما من كبار المستشرقين الذين عنوا
باللغة العربية ونشروا كثيرا من مخطوطاتها ودرسوها وحفظوا كثيرا من أشعار
العرب، وصرح كثير منهم بأن هذه اللغة لا تعدلها أية لغة، وأذكر أننا في العام
الماضي قابلنا أحد المشتشرقين الكبار في جامعة في استكتلاند في شمال بريطانيا
فذكر أنه قد خلد شهادته بأن اللغة العربية لا تعدلها لغة ولا تساويها في السمو
والارتقاء، ولا في الذوق ولا في الاتساع، وأنه كتب هذه الشهادة في جامعته وخلدها
قبل ثلاثين سنة، وهذا كلام الأعداء، \"والحق ما شهدت به الأعداء\".
[/size]